بسم الله الرحمن الرحيم
[size=24]تعدّ العلاقة الزّوجية أجمل علاقة تحدث لأيّ شخص على وجه الأرض في مرحلة معيّنة من عمره، وبسبب الاتجاهات المختلفة والرّغبات المتعارضة يفشل بعضنا في أن يحافظ على مصباح هذه العلاقة متوهّجًا بعيدًا عن المنغّصات والمشكلات.[/size]
علينا أن ندرك جميعًا أنّ المشاكل الزّوجية متوقّعة الحدوث في أيّ وقت بين الزّوجين بسبب وجود شخصين لهما رؤى وأفكار وأحلام ورغبات مختلفة. لهذا ينبغي على كلّ من الزّوجين العلم بأنّ الزّواج مسؤولية والتزام وأمانة. وأهم ما يجب التحلّي به لمواجهة هذه المشاكل المتوقّعة الصّبر ثمّ الصّبر وعدم التسرّع في الحكم أو التصرّف أو ردّة الفعل، فإنّ ذلك من شأنه تدمير هذه العلاقة العظيمة الّتي وجدت من أجل أن تدوم وتستمر.
قال الله تعالى: ”وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ”. ويقول سبحانه: ”... وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا”. قال العلامة ابن الجوزي رحمه الله: ”وقد ندبت الآية إلى إمساك المرأة مع الكراهة لها ونبّهت على معنيين: أحدهما أنّ الإنسان لا يعلم وجوه الصّلاح، فرُبّ مكروه عاد محمودًا، ومحمود عاد مذمومًا، والثاني أنّ الإنسان لا يكاد يجد محبوبًا ليس فيه ما يكره، فليصبر على ما يكره لما يحب.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ”لاَ يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ”. والفرك: هو بغض أحد الزّوجين الآخر، فلا ينبغي للرّجل أن يبغض زوجته إذا رأى منها ما يكره لأنّه إن كره منها خُلُقًا رضي منها آخر فيقابل هذا بذاك.
ولا شكّ أنّ تركيز الفكر فيما يُرضي كلّ طرف عن صاحبه من الخلال الطيّبة طريق للهناء والسّرور، فالكمال عزيز، ولا تخلو امرأة من نقص، كما هو الحال أيضًا بالنسبة للرّجل. وسلامة الدّين أكبر غنيمة وأعظم نعمة، وما دونه يهون، وكما قال المصطفى صلّى الله عليه وسلّم: ”فاظفر بذات الدِّين تَرِبَت يداك..”. قال الإمام الغزالي رحمه الله: ”واعلم أنّه ليس حسن الخلق معها كفّ الأذى عنها بل احتمال الأذى منها، والحلم عند طيشها وغضبها، اقتداء برسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقد كانت أزواجه تراجعنه الكلام وتهجره الواحدة منهنّ يومًا إلى اللّيل، وراجعت امرأة عمر رضي الله عنه في الكلام فقال: أتراجعيني يا لكعاء -يعني حمقاء-! فقالت: إنّ أزواج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يراجعنه وهو خير منك”.
وكان صلّى الله عليه وسلّم يقول لعائشة: ”إِنِّي لأَعْلَمُ إِذَا كُنْتِ عَنِّى رَاضِيَةً وَإِذَا كُنْتِ عَلَيَّ غَضْبَى”، قالت: فقُلتُ: ومن أين تَعْرِف ذلك؟ قال: ”أَمَّا إِذَا كُنْتِ عَنِّى رَاضِيَةً فَإِنَّكِ تَقُولِينَ لاَ وَرَبِّ مُحَمَّدٍ، وَإِذَا كُنْتِ غَضْبَى قُلْتِ لاَ وَرَبِّ إِبْرَاهِيمَ”، قالت: قلتُ أَجَلْ والله يا رسول الله ما أَهْجُرُ إلاّ اسْمَكَ”.
وينبغي كذلك للزّوج أن يتغاضى عمّا يراه من خطأ يبدر من زوجه ولا يتعقّب الأمور صغيرها وكبيرها ما لم يكن في حقّ من حقوق الله تعالى، فالخطأ من سمات البشر لا يسلم منه أحد.
ألاَ وليعلم كلّ مِن الزّوجين أن بقليل من التّسامح وبمزيد من الإحسان تستقيم الحياة ويتغيّر الحال وتُحفظ الأسرة. فالإسلام يُرشد الزّوجة إذا لمست من زوجها جفوة، وأحسّت منه غلظة، أن تُبادر إلى شيء من التّنازل عن حقوقها حفظًا لأسرتها واستقرارها –ولا تأخذها العزّة في ذلك-، فعسى أن يؤول الحال إلى ما يسرّ، ويحصل الصُّلح، والصّلح خير، قال الله تعالى: ”وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا”، ثمّ ذكر سبحانه ما قد يمنع من الصّلح بقوله: ”وَأُحْضِرَتِ الأنْفُسُ الشُّحّ” أي: جبلت النّفوس على الشّحّ، وهو: عدم الرّغبة في بذل ما على الإنسان للآخرين، والحرص على الحقّ الّذي له، فالنّفوس مجبولة على ذلك طبعًا، لا سيما مع شنآن النّفوس وإعراضها، وعندئذ لا يقتصر الشّحّ على الأموال والأفعال، بل يتجاوزه إلى الشّحّ بالعواطف والكلمات، وتكون المحاسبة الشّديدة فيما له وفيما ناله من الحقوق، ومع الشّحّ لا يمكن الصّلح. قال تعالى ”وَأنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا” ببذل الحقّ الّذي عليكم، والاقتناع ببعض الحقّ الّذي لكم، يذهب شنآن نفوسكم ويتحقّق الصّلح.
ولعلّ في ذكر التّقوى تذكير لأهمّيتها، فغالبًا ما تغيب عند حصول الخلاف ويحل الظّلم ويُنسى الإحسان الّذي ربّما يكون قد دام سلفًا أطول من الإساءة. ألاَ فليتّقِ الله كلّ زوج وليتّقه في الآخر، وليَصر إلى العدل والإحسان، ولينزِل كلّ واحد للآخر عن القليل من حقّه تكرّمًا وفضلاً وحفاظًا على كيان الأسرة من الدّما