خربشات / رسالة من قلب غزة

هي ليست قصة قصيرة للسرد ......وليس اسلوبا قصصيا معتادا .... هي تأوهات من فتاة تنادي من قلب الوطن الجريح

رسالة من قلب غزة ...

تسعة أيامٍ مضت منذ آخر الكتابات بلا كهرباء و لا ماء، تسعة أيامٍ مضت دون أن أمسك قلماً لأكتب، فالحدث كان أكبر من الكلام أو الحروف وأقوى من أي تعبيرٍ أو تشبيه، ولا أظن أن أكبر كتّاب العصر أو أعظمهم يستطيع أن يصف ما يحدث، و ينطبق هنا قول من قال: في بعض الأحيان قد يكون الصمت أعظم من الكلام. وقد يكون هذا هو سبب الصمت العربي والدولي المطبق!

كل ما رأيتموه على شاشات التلفزيون أو قرأتموه في الصحف اليومية أو استمعتم إليه في الإذاعات لم يكن صحيحاً على الإطلاق.. لأنهم رأفوا بمشاعركم الرقيقة والحساسة ألا تتحمل ما يحدث في غزة البعيدة.

هنا في غزة البعيدة عنكم والساكنة فينا حتى النخاع لن أصف لكم ماذا حدث حتى يظل التشويق يغلبكم والفضول ينتابكم، حتى تعرفوا ما حدث هنا في غزة البعيدة عنكم.

كل غزة حكايا وحكاوي تنتظر أن يأتي الراوي من مكانه البعيد ليقض من العمر مئات السنين يروي لكم ما حدث، أن يخبركم ما معنى أن يعيش الإنسان بلا مياه أو كهرباء لأسبوعين متواصلين، كيف أصبح الأطفال رجالاً قبل موعدهم، وكيف تعلق هؤلاء الرجال بجثث أمهاتهم دون طعامٍ أو شراب مصرين على الحياة حتى يأخذوا بثأرهم، كيف نهشت الكلاب جثث أطفالٍ كانت أحلامهم صغيرة ولكن آلامهم كانت كبيرة، كيف تحول الليل إلى نهار والنهار إلى ليل .

انتظروا حتى يخبركم الراوي عن بشاعة إحساس انتظار الموت، عن صعوبة الكلام ولديك لسان، وعن صعوبة الصمم ولديك أذنان، كيف تتحرك من مكانٍ لمكان و أنت تحمل هويتك الشخصية أو جواز السفر حتى إذا أتت لحظة استشهادك دفنك أحبائك وأهلك دون أن تنتظر في ثلاجة الموتى خائفاً ترتجف من برد هذا العالم الصامت.سيخبركم الراوي كيف ترتبط حياة البشر بدوائهم وبخاخات التنفس وأنابيب الأكسجين، وكيف نبحث عن حليب الأطفال فلا نجده.

سيخبركم الراوي إنكم لا شيء ولا تستحقون رواياته وسيبحث عن بديلٍ عنكم، سيأتي إلى مقابر الشهداء ويروي لهم القصص والحكايا عن بطولات غزة التي لم ولن تنكسر يوماً، سيحكي كيف أصبح الصغار كباراً وكيف كفكفت الأمهات دموعهن على الأبناء ولم يرددن سوى صبراً جميل بالله المستعان، سيخبر الراوي شهداء غزة الأكرمين كيف أن العالم لبس اللون الأسود يوم مطلع العام الجديد ولم يحتفل أحد، سيخبرهم كيف كانت أخباركم تصلهم عبر الإنترنت وكلٌّ يمسك باللاب توب ويشرب قهوة ستارباك، وسيخبرهم كيف أن الجيوش العربية وقفت على كل معابر غزة تنتظر من أهل غزة السماح لهم بالدفاع عنهم، وأن أهل غزة رفضوا المساعدة شاكرين لهم حسن تعاونهم.

ولن ينس الراوي أن يخبرهم عن أشياء جميلة من أصدقاء أجمل لم ينسوا غزة في محنتها، و وصلوا ليلهم مع نهارهم يحاولون أن يقدموا شيئاً لغزة التي عرفوها بقلوبهم وعقولهم، هؤلاء الشباب والشابات هم ما تبقى من الزمن الجميل، هم أصدقاء كل الشهداء والجرحى والثكالى والمجروحين .

ولا تظنوا أني ألوم أحداً منكم أو نستجدي عطف أحدٍ على غزة.. لا. فغزة أكبر من ذلك وفلسطين أكبر منا جميعاً، قد يكون ابتلاء غزة خيراً لنا جميعاً حتى ندرك أنه لا يقلع الشوك إلا أيدينا، قد تكون ملحمة غزة قد أرجعت لنا كل أغانينا وشعاراتنا الوحدوية، قد تكون ملحمة غزة قد جعلتنا متوحدين وأقوياء، جعلتنا يا غزة نسأل عن الجيران وأن نجلس سويةً مثلما كنا زمان، جعلتنا يا غزة ننعش حبنا للوطن والوطنية، جعلتنا يا غزة نرجع إلى أنفسنا وعززت إيماننا بقضيتنا، جعلتنا يا غزة ندرك أن لا حياة مع اليأس ولا يأس مع الحياة، وجعلت غيرنا خجولا جباناً لن يستطيع يوما أن ينظر إلى وجهه في المرآة .

أنت العظيمة يا غزة وهم الأذلاء

أنت القوية و هم الضعفاء

أنت زينة العرب إلى أبد الآبدين

أنت القاهرة وهم المقهورون

أنت الأبية وهم المتراجعون

أنت يا غزة من جعلتني

إمرأةً ترفض وترفض وترفض الهزيمة