هل مازالت القضية الفلسطينية قضية عربية مركزية؟ ..
مما لاشك فيه أن العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة والمآسي التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني هناك من سقوط مئات الشهداء وآلاف الجرحى بسبب العمليات الجوية والبرية, اظهر هشاشة في إدارة هذه الأزمة عربيا.
إلا أن خطورة ما يجري باتت من خلال ظهور تساؤلات وشكوك أهمها: هل مازالت القضية الفلسطينية هي القضية المركزية للعالم العربي, أم أنها باتت ساحة لصراع عربي عربي, ولمحاور إقليمية في المنطقة, دون الاكتراث بالهدف النهائي المتمثل في التوصل إلى سلام عادل وشامل في المنطقة, وذلك بعد حل مجمل القضايا المتعلقة بالحدود واللاجئين والمستوطنات والقدس.
لاشك أن العملية العسكرية في غزة جاءت في توقيت مدروس بالنسبة للإسرائيليين, تمثل في محاولة العديد من القوى السياسية في الحصول على مكاسب قبل موعد الانتخابات الإسرائيلية البرلمانية المقررة في شباط المقبل, هو تقليد تكرر أكثر من مرة إسرائيليا.
إن الائتلاف الحاكم في إسرائيل المتمثل بحزبي كاديما والعمل بالإضافة إلى أحزاب أخرى تحاول أن تحاكي التشدد في الشارع الإسرائيلي, وخاصة بعد ما آلت إليه الأمور في حرب تموز في عام 2006 وسقوط نظرية الردع الإسرائيلي أمام صواريخ حزب الله.
إن إسرائيل تسعى من خلال العملية العسكرية إلى القضاء على حركة المقاومة الإسلامية, وذلك بعد فشل الحصار الإسرائيلي عليها, خاصة وان حماس حصلت على أغلبية في انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني, حيث مثل ذلك ردا مباشرا على فشل العملية السلمية التي انطلقت في مؤتمر مدريد منذ 17 عاما.
إن إسرائيل تحاول من خلال القضاء على حركة حماس, الاستمرار في سياسة المماطلة مستغلة الوضع العربي الضعيف, والدعم الأمريكي المطلق لها, وذلك لتصفية القضية الفلسطينية والعمل على إطالة أمدها حتى تتآكل مكوناتها الأساسية, والوصول إلى وضع تكون فيها قادرة على فرض إرادتها على العديد من الملفات وخاصة ملفي القدس واللاجئين.
إن رئيس الوزراء السابق ارييل شارون كان يرى انه يجب لعملية التسوية بين الفلسطينيين وإسرائيل أن تستمر حتى عام 2015, منطلقا من فكرة أساسية وهي أن الدور العربي في تراجع على اقل حد حتى ذلك التاريخ, وهذا سيؤدي إلى الحصول على العديد من التنازلات من الجانب الفلسطيني.
إن تطورات العملية السلمية أثبتت أن إسرائيل ليست جدية في التوصل إلى أية تسوية, بدءا من انطلاق العملية السلمية, مرورا بتوقيع اتفاق أوسلو في 1993 وبجولات المفاوضات العديدة التي تلتها, وصولا إلى خريطة الطريق, وما رافقه من ممارسات إسرائيلية تمثلت بإقامة الجدار العازل والاستمرار في سياسة تهويد القدس والتوسع في إقامة المستوطنات وغيرها.
إلا أن خطورة الأزمة الحالية تمثل في كيفية إدارتها عربيا, خاصة وان الخلاف العربي العربي طغى بشكل كبير على ذلك, الأمر الذي سيترك تأثيرا سلبيا كبيرا على القضية الفلسطينية مستقبلا .
فالدول التي سمتها كونداليزا رايس بـ "دول الاعتدال", خاصة مصر رأت أن هذه الأزمة جاءت بسبب انهيار الهدنة بين حركتي حماس والجهاد وإسرائيل, فيما تناسى النظام المصري ما قالته مصادر رسمية إسرائيلية من أن هذا العدوان يحضر له منذ 6 أشهر.
كما أن معارضة دول الاعتدال لعقد قمة عربية طارئة دعت إليها سورية وقطر ووافقت على عقدها 10 دول عربية جاء ليعكس حالة من ضيق الأفق يتمثل في حرمان حركة مقاومة تحاول أن تحرر أرضها من أي مكسب سياسي, بل تعداه البعض إلى تفسير أن ما يحدث في غزة جاء ليخدم أهداف دولة إقليمية كبرى كـ "إيران".
إن الاستعاضة عن التحرك العربي في عقد قمة عربية طارئة, بالتحرك الدولي في مجلس الأمن للضغط على إسرائيل في إيقاف عدوانها يمكن أن يفهم باتجاهين اثنين, الأول جهلنا بان هذا التحرك لن يثمر على الإطلاق بناء على الخبرة العربية السياسية في هذا المجال, خاصة وان الولايات المتحدة المنحازة لإسرائيل لن تقدم على دعم أي قرار يهدف إلى منع إسرائيل من الاستمرار في عدوانها, الذي لم يكن ليأتي بدون موافقة أمريكية, فيما يطرح الاتجاه الثاني شكوكا بان الهدف من هذا التحرك هو إطالة أمد العدوان حتى تستطيع إسرائيل تحقيق أهدافها في القضاء على حركة حماس, وهذا قد يفسر بوجود تواطؤ من هذه الدول مع إسرائيل.
إن موقف مصر من هذه الأزمة هو مؤشر خطير على تراجع دورها كـأكبر دولة عربية في قضية مركزية هي القضية الفلسطينية, وهذا الأمر سيترك تأثيره العميق على هذه القضية, خاصة عندما يصل بها الأمر بها إلى تبرير العدوان الإسرائيلي والاستمرار في إغلاق معبر رفح والمشاركة في الحصار المفروض على القطاع, منذ عام 2007.
ويبدو أن تراجع الدور المصري في الملف الفلسطيني بشكل خاص والملفات الإقليمية الأخرى بشكل عام جاء بسبب جملة من المحددات, تتمثل بتطور العلاقات المصرية الأمريكية والملفات المطروحة كالمعونات والصراع والاصطفاف الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط, مرورا بالتزامات النظام المصري باتفاقية كامب ديفيد وما تتضمنه من ملاحق سرية, وصولا إلى اعتبارات سياسية داخلية.
لاشك أن النظام المصري يرى ما تسعى إليه إيران من التحول إلى دولة إقليمية فاعلة تهديدا للأمن القومي المصري, وهذا يتوافق مع نظرة إسرائيل والولايات المتحدة وتخوفها من المشروع الإيراني, في حين أن مصر لا تأخذ في اعتبارها أمنها القومي من خلال تماهيها مع مشروع أمريكي وإسرائيلي هو الأخطر نظرا لموقع إسرائيل الجغرافي والسياسي.
كما أن مصر ربما ترى لاعتبارات سياسية داخلية وجود حركة حماس الإسلامية في قطاع غزة تهديدا لها, من خلال انعكاس هذا الأمر على الشارع المصري وتزايد التأييد لحركة الإخوان المسلمين وغيرها من حركات الإسلام السياسي من خلال فشل مصر في تحقيق تطور اقتصادي وتنموي وغيره.
إن موقف مصر السياسي من تطورات القضية الفلسطينية وانحيازها إلى جانب رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس, اثر بشكل كبير على مصداقيتها وتأثيرها على الساحة الداخلية الفلسطينية.
كما أن موقفها الأخير من تبرير العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة, خاصة إذا فشلت إسرائيل من تحقيق أهدافها, سيكون له الأثر الأكبر في تراجع الدور المصري في القضية الفلسطينية أن كان على الساحة الفلسطينية الداخلية أو على صعيد عملية السلام وتطوراتها بين الفلسطينيين وإسرائيل.
انه من المؤسف حقا أن تتطابق النظرة المصرية مع نظرة إسرائيل بان حركة حماس باتت مشكلة ويجب التخلص منها, خاصة وان حماس تدرك أن المقاومة وحدها هي القادرة فقط على تغيير توجهات الشارع الإسرائيلي المتشددة وفرض تسوية سلمية عليه, تضمن عودة الحقوق إلى أصحابها.
إن العدوان الإسرائيلي على غزة يفرض على مصر أن تراجع دورها, وان تستفيد من تجارب الماضي في إيجاد أهداف سياسية جديدة لكي تعود إلى ممارسة دور إقليمي ودولي فاعل لخدمة القضايا والمصالح العربية, خاصة القضية الفلسطينية التي يجب أن تبقى مركزية في الوجدان العربي.
_________________
لدينا قوة هائلة لا يتصورها إنسان ونريد أن نستخدمها في البناء فقط، فلا يستفزنا أحد!
نقاتل معا، لنعيش معا، ونموت معا!