[center]لحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد :
اعلم رحمك الله أن من الهوى ما يجعل المرء يفقد الاتزان والنضج والعقل، ويهوي به في مدارج السفه والضياع النفسي ، ويدر عليه كدورة الجهل و الفتن وشبهات القلب ، ويصب من الضعف والهوان على المرء ما يجعله برذعة لا يريده عالم ولا يستسيغه مجتمع .
ويزداد الأمر سوءا وبلاءا حين يُلبس ذلك بلباس الدين ، والحديث باسم الدين ، والحكم باسم الدين ، وهو وإن كان الدين في الكلام إلا أنك تجد الباطل بين ثناياه ، والظلال في زواياه ، والحقد الدفين والبهتان الشنيع في مطاياه .
اولئك هم الجامية رزية الزمان ، وبلاء الأوطان ، سيئوا الأقوال ، كثيروا النزال ، لا تفقه من أحدهم أمرا ، أو ترى له من أمره رشدا ، عيي صفيق ، ينعق بدعاء غيره ، ويردد ما يقوله سابقه ، من غير أن يرى ويمحص وينظر .
لسنا نتحرج أن ننبّه هنا إلى بلاء جديد قديم ، متجذر ظاهر ، يتشدق أصحابة بالمجاهرة بمنهجه ليل مساء ، والمضي في نشره صبح وعشي ، وليت أن لهم من الفائدة شيء .. إذ بدأ صوتهم نشاز أصم آذاننا بلا فائدة ، وأشغلنا عن محاربة عدونا ، فكانوا كحجر عثرة ، فهم بلاء ووبال وهل يجنى من الشوك العنب ؟
بت أشفق عليهم من أنفسهم أشد من شفقتي على مصيرهم ، لا تدري هل تدعوا لهم بالهداية، أم تدعوا عليهم لسوءهم ، وما أظن أن خيرا يرتجى من جراد ، فقد جبلوا على أن ينظروا في فلان وعلان ، وماذا قال هذا وما قال ذاك ، فكل امرئ منهم وكل أحمق ينتسب لهم لا يألوا أن يسلك طريقا واحدا سلكه أتباعه من قبله وهو سلوك مجرى التجريح والتعديل ، مجرى غلب عندهم فكانوا فيه متخذين النقيصة والرزية دليلا ، يخبطون ما بين الفرع والأصل، ويُخرجون أمرا مخالفا للأمة ، يتذرعون أن ذلك من شعب الايمان كما قال الشيخ العلامة بكر ابو زيد رحمه الله (ترى الجراح القصاب ،كلما مر على ملأ من الدعاة اختار منهم ذبيحا فرماه بقذيفة من هذه الألقاب المرة، تمرق من فمه مروق السهم من الرمية، ثم يرميه في الطريق، ويقول: أميطوا الأذى عن الطريق، فإن ذلك من شعب الإيمان!) ، ولو نظرت إلى حديثهم لما وجدت لهم عظيم أمر يدعون له ، أو كثير فائدة يرشدون لها ، او علم ينفعون به الأمة ، جل همهم وغاية جهدهم التضليل والتفسيق والتبديع ، ويبحث أحدهم ويظن أنه أذكى الناس وأبلغ الناس ثم يأخذ ببعض الكتاب ويكفر ببعض ، فيأخذ ما يريده من كلام في ما كتب فلان او علان او العالم الفلاني او الداعية الفلاني ، ويترك البقية من كلام أو ما كان من صواب او ما كان صحيحا يدحض حجة هذا الجامي ويرغم أنفه ، وإن خالفتهم فما أنت عندهم إلا ضال مبتدع وما أنت إلا نفس حجرية وذو عقيدة خاوية ولو أنك كنت ذا رأي وعقيدة صافية ومنهج سليم ، وإن الدين والعقيدة لفي غنى عنك وعن ما تكتب او تقول ولو أنه صحيح وكنت ناصحا ؛ لأنك قلت خلاف ما يرونه وخلاف ما يعتقدونه تعصبا وزيفا ، نعم ، أنه ليس على الأرض معصوم من الخطأ ، لكننا نعرف أن كل إناء بما فيه ينضح فغلطة العالم والداعية تدل على علمه كما يدل صوابه ، وإن شبهة الجاهل وذو الهوى تدل على جهله كما يدل خطأه إذ كان الأول متحرزًا يتوقى جهده وكان الثاني متحمقًا يسترسل جهده .
انظروا لتاريخهم تعلمون من هم القوم ، وإلام يدعون ، وماذا يرمون له ، يشقون الصف الاسلامي بحجة بيان من هو الصحيح من السقيم وهم في أمرهم متخبطون ، ويخذلون المسلمين باستهداف رموزه وأبطاله ، بحجة أنهم مبتدعون ضالون ، وهم في ضلالتهم سادرون مستمرون ، ويدعون علما وأنهم إلى كتاب الله وسنة رسوله متمسكون ، وهم بعيدون عنه أشد البعد ، جهلة متخبطون ، شبهة واحدة تجعلهم ذات اليمين وذات الشمال ، جلدون في النيل من المسلمين وفي التحذير منهم ، وغيرهم من الأعداء المتربصون بالأمة في راحة وأمان، وفي سعادة وهناء، فقد كفو مؤونة العداء .
بالأمس القريب جدا وهو حدث اليوم وما يحصل في أحداث غزة وتأليب اليهود الغاصبين، والصهاينة الحاقدين، على إخواننا المسلمين، المضطهدين من الرجال والنساء المساكين ، هناك تتكلم الاحجار والأشجار والصور عن عظيم بيان وكلام وخطاب ، عن ظلم وابادة وحقد ضد الاسلام والمسلمين ، فترى أحد هؤلاء الجامية يرمي بثقله كله على المسلمين ، ويبذل جهده عليهم ، ويبعث بخيله وركبه في أن ينال من المجاهدين الأشراف ويطعن فيهم وفي عدالتهم وفي جهادهم ، ظن العيي أن ذلك المجاهد انما يلهوا كما يلهو هو أو يريد شهرة أو مكانة أو مالا وراء ما يفعل ، كلا والف كلا ، ألا ان المجاهدين شرف للأمة وعلو لها، وهم من يمسحون عار الامة ، فعلام تتخذ منهم أيها الجامي القصاب هدفا ترميهم بقوسك ، وتترك من غزاهم واستحل دماءهم ، أم لأنهم خالفوك في رأيك العقيم ومنهجك السقيم ؟، ان المجاهدين مسلمون وأولئك يهود ، فأي الفريقين أحق أن يوالى وأيهم أحق أن يعادى ؟؟
ولو نظرنا إلى الجاميين وكيف اتخذوا من المسلمين ومن الأعلام ومن المجاهدين وممن خالف طريقتهم الحمقاء هدفا لعلمنا سوء طريقتهم وخطورة منهجهم ، فهم يعملون على أن يمحقوا الأمة ويجعلوها ذليلة سقيمة لا تألوا على أمرها .
إن الجاميين على سفههم وبلاءهم لهم من الأصناف الخطره ، ومن الأمراض المزمنة التي ابتليت بها الأمة ، والتي تؤخر في نصرها ، وتنخر في جسدها ، ليسوا باللذين سعوا في أن يبنوا للامة بناءا مجيدا ، أو يتركوا غيرهم يشيد صرح الإسلام ويعلي بناءه ، مخربون فاسدون ، لا حياة في ضمير أحدهم ، ولا غيرة لأحدهم سوى : ذلك الداعية وذلك الانسان وذلك العلم الذي خالفهم هواهم ، فكيف لأولئك الجامية أن يصلحوا أمرا ما وهم مخدوعون مستَذلون بالتجريح والتعديل ومستدرجون بالاصطياد في المسلمين ، ومغلوبون على حالهم بهواهم ..
قانونهم مختل ، ومنهجهم معتل ، وتجدهم خلاف ما يزعمون من ادعائهم انهم مقتدون بالسنة ، وتالله وبالله انهم ابعد ما يكون عن ذلك إلا أن يتخذوا من ادعائهم ذلك زيفا وزيغا .. انظر لقوله صلى الله عليه وسلم ( المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا ) ولقوله ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ) وغير ذلك من الأحاديث التي تدلك على أن هؤلاء القوم لا يفقهون حديثا ولا يعلمون أمرا سوى ما وافق أهوائهم .. ولا انقياد للحق عندهم أو رضى به ، فإن من مصائبهم أن يغلبك خصمك ولو كان على حق .
. وبالجملة فالجامي أن تكون لصًّا من لصوص النقيصة والهوى والذل ثم لا تكون ذا خلق أو لا يكون فيك من الفضائل إلا ما تشدق به فاك ادعاءا وزيفا ، وأفسدت الصحيح بالعليل ، واتخذت من النعق وعدم الفهم طريقا، فحقرت نفسك اولا وأهنت امتك ثانيا، ثم تجتهد على قدر زيغك ، ثم تزيغ على قدر ما انت قادر .
أيها الجامي المستغرق في الجهل والهوى والنكد ، المتجلد في التضليل والحقد ، حسبك حسبك ! فقد تجاوزت الحد ، وتكاد تكون في مع العدو يد بيد ، تنبه من غفلتك وهواك العائق المتقد ، وانظر إلى حال المسلمين اليوم ، تجدهم في حاجة لوقفة صامدة ولمنهج سليم يدعم بعضهم بعضا ، لا ان يكون هناك مخذلين او مستهترين بحال الأمة، وانظر جيدا لترى أن الاسلام قد دخل في منعطف جديد ، قد رموه الأعداء شاهرين عداءهم السافر ، وأنت هنا تساندهم من حيث تدري ولا تدري ، فاحزم امرك وانظر بعين العقل والتوازن دون التعصب والهوى واختر إلى أي الطرفين تريد أن تمضي ؟!
_________________