(( أردتك أن تعرف ))
لمحتها على الطريق السريع ..
تقود سيارتها بسرعة جنونية وهي تخطف من جانب سيارتي , فصعقت, ونفضت رأسي كي أصحو من دهشة رؤية قيادتها الجنونية السرعة.
- يا إلهي لابد وإنها تود أن.. تنتحر!
زدت من سرعتي كي ألحق بها..
وصدري يعلو ويهبط بقوة كلما تسارع العداد, , وقلبي يرتجف خوفا لأني استشعرت أن خطبا ما, أصابها, بعد أن اتصلت بي اليوم وأخبرتني بأن زوجها قد طلقها!
لم تكن عطارد تشبه النساء اللواتي عرفتهن بحياتي , فقد كانت شعلة متوقدة من العطاء والحيوية والأنوثة الصارخة, ولها روح متوقدة كجمر. تترأس نشاطات كثيرة حين كنا طلابا في الجامعة, وتمارس كل الأنشطة الحيوية , فكانت نجمة الكلية وأميرتها.
أحببتها, بل عشقتها..
لكن خوفي من قوتها, جعلني أتراجع عن البوح لها بمكنونات صدري التي كثيرا ما أرقتني وسهرتني الليالي, فكنت أناجي القمر وأشكوه حبي لها, وقلة حيلتي أمام عنفوانها..
وكثيرا ماكنت أنظر إليها وأسرح بأفكاري حتى أثناء المحاضرات.. أتخيل نفسي معها, فتراجعت معدلاتي بشكل ملحوظ حتى صرت مضرب الأمثال بالإهمال ..!!
ولأني لم أكن أستطيع تركها, أو نسيانها, أبقيت على علاقتي الحميمة بها , حتى حين ارتبطت بمازن, ذاك الشاب الغني الوسيم الذي ظهر فجأة..!!
فكنا نسميه (( الدون جوان)) لأنه يمتلك كل مقومات الدونجوانية وبتفوق..!
وبرغم علاقاته الكثيرة, إلا أنها أغرمت به, غير عابئة بكل ما تسمعه عنه, أو تراه !
وكم شكت لي عن ظنونها من عدم وفاءه لها, حتى بعد أن تزوجا, فأصبحت عطارد كتلة من حزن , ويأس!!
كنت أستمع لها وقلبي يكاد ينفطر من فرط غيرتي وحسرتي عليها, وهي تبوح لي كل ذاك العشق الذي تكنه له, دون أن تشعر بي وبحبي الكبير لها..
وألوم نفسي التي أضاعت حبيبتي مني..!
كرهته لأنه يؤلمها, ويخدش كبريائها..
كرهت نفسي لأني لم أبح لها بحبي , قبل أن يخطفها مازن مني , ولأني كنت أكثر جبنا من أن أرتبط بفتاة مثلها.. واحتقرت ذاتي التي أضاعت حب عمري ..
ازدادت ضربات قلبي تسارعا وعداد السرعة تعدى المائة والعشرين, وسيارة عطارد أمامي تطوي عجلاتها الشارع طيا, وشعورا بالانقباض يضغط على صدري, فيعتصره, وشفتاي لم تكفا عن الدعاء أن تتوقف كي أكلمها.
لم أدر كيف حدث الأمر وبكل تلك السرعة!!
وبمثل لمح البصر!!
طارت سيارة عطارد في الهواء وتقلبت على جانب الطريق, بعد أن اصطدمت بسيارة أمامها..
لم أدر كيف أوقفت سيارتي, وصرت أركض مثل المجنون نحوها وأنفاسي تكاد لا تسعفني لفرط هلعي وخوفي عليها.
اللحظات صارت دهورا لا تنتهي, وأنا أجري بكل ما أوتيت من سرعة كي ألحق بها..
كي أسعفها..
كاد أن يغمى علي وأنا أرى الدماء تملأ المكان ..وجسد عطارد محشور بين المقعد والمقود.
حاولت سحبها..
لكني لم أستطع..
فصرت أستغيث بالناس وأنا أصرخ بلا وعي أن يغيثني أحدهم,
وعينا عطارد تنظران إلي بعتاب ورجاء!
امتدت أيدي بعض المارة تعينني..
وبصعوبة أخرجناها, وهي تتأوه من شدة الألم.
منهكة وتتنفس بصعوبة بالغة..
وجرحا غائر فتح فجوة كبيرة بقفصها الصدري..
تنزف شرايينها بغزارة, ويرتجف جسدها بردا, من شدة النزف, وأنا أحتضنها بين يدي, أحميها, كي لا يختطفها الموت مني.. هذه المرة..!!
عيناها الواسعتان , تنظران لوجهي, بذهول وخوف لم أعهدهما منها..
وشفتاها تتحركان وكأنها تقول شيئا!!
دنوت برأسي من وجهها..
فصدمتني برودته..
قربت أذني من فمها لأسمع ما تقول, وأنا أطمئنها:
_ لاتخافي حبيبتي.. ستكونين بخير.. لاتخافي .
همست بعناء..
وظل ابتسامة مريرة يطوق ملامح وجهها:
- أردتك أن تعرف.. بأني أعرف .. كم أنت تحبني..!!
_________________
لدينا قوة هائلة لا يتصورها إنسان ونريد أن نستخدمها في البناء فقط، فلا يستفزنا أحد!
نقاتل معا، لنعيش معا، ونموت معا!