وقائع خطيرة تقتضي تحقيقاً
بقلم الأستاذ / فهمي هويدي
صحيفة الشرق القطرية
هذا الذي يحدث في الساحة الفلسطينية ينبغي ألا يمر دون تحقيق. ذلك أن كم المعلومات والشائعات والشبهات التي تتردد هذه الأيام حول دور مواقف قيادة السلطة، وأبومازن تحديداً، صادم ومروع على نحو يستدعي ضرورة استجلاء الحقيقة فيها، بأسرع ما يمكن.
يوم (الثلاثاء 6/10) نشرت جريدة «الشروق» المصرية أن السيد محمود عباس لم يبد حماساً لفكرة عقد قمة عربية لبحث الأخطار التي باتت تهدد القدس والمسجد الأقصى. ونقلت عن مصدر فلسطيني قوله إن أبومازن لا يريد أن يواجه وفداً فلسطينياً في أي اجتماع عربي بانتقادات لقرار السلطة إرجاء التصويت في مجلس حقوق الإنسان بجينيف على التقرير الحقوقي الدولي، الذي اتهم "إسرائيل" بارتكاب جرائم ضد الإنسانية خلال عدوانها الأخير على غزة. وهي الفضيحة المجلجلة التي مازالت أصداؤها تتفاعل فلسطينياً وعربياً.
هذا الموقف المدهش بات أحد العناوين البارزة في كتاب اللامعقول الفلسطيني. لكن يبدو أن سجل الفضائح أطول وأكبر مما نتصور. فقد سبق أن استنكر وزير الخارجية الإسرائيلي ليبرمان في تصريحات صحفية أن تطرح قيادة السلطة فكرة الإدعاء على "إسرائيل" أمام المحكمة الجنائية الدولية. واحتج في ذلك بأن السلطة في رام الله هي من طلب أن تستمر الحرب إلى أبعد مدى حتى تسقط حماس في غزة. وهي المعلومة التي جددت الشكوك في موقف السلطة من العدوان. وفي وقت لاحق تسربت أنباء نشرتها صحيفة «الدستور» المصرية (في 6/10) عن اجتماع عقد في واشنطن بين ممثلين عن السلطة وآخرين يمثلون الحكومة الإسرائيلية. وكان الوفد الإسرائيلي يطالب الطرف الفلسطيني بعدم تمرير تقرير جولدستون عن عدوان غزة، ولكن الفلسطينيين رفضوا الاستجابة للطلب، وحينئذ جاء أحد أعضاء الفريق الإسرائيلي، العقيد إيلي افراهام، وعرض على جهاز كمبيوتر شريط فيديو يعرض لقاء وحواراً بين رئيس السلطة محمود عباس ووزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك بحضور وزيرة الخارجية السابقة تسيبى ليفني، وفي التسجيل ظهر أبومازن وهو يحاول إقناع باراك بضرورة استمرار الحرب على غزة فيما بدا باراك متردداً أما تسيبي ليفني فلم تخفف حماسها، ذكرت الصحيفة أيضاً أن افراهام عرض أيضاً على وفد السلطة تسجيلاً لمكالمة هاتفية بين مدير مكتب رئاسة الأركان الإسرائيلية دوف فاسيجلاس والطيب عبدالرحيم الأمين العام للرئاسة الفلسطينية، وفي سياق المكالمة قال الأخير: إن الظروف مهيأة لدخول الجيش الإسرائيلي لمخيمي جباليا والشاطئ. مما سيؤدي إلى إنهاء حكم حماس في القطاع ومن ثم الاستسلام. وحسب التسجيل فإن فاسيجلاس قال للطيب عبدالرحيم إن ذلك سيتسبب في سقوط آلاف المدنيين، فكان رده أن جميعهم انتخبوا حماس وهم الذين اختاروا مصيرهم.
طبقاً للرواية المنشورة فإن الوفد الإسرائيلي هدد ممثلي السلطة بعرض هذه المواد على الأمم المتحدة ووسائل الإعلام، إذا أيدوا تمرير التقرير. وهو ما دفع وفد السلطة إلى الاستجابة للطلب، وتوقيع تعهد خطى بعد تمرير تقرير جولدستون.
هذا الكلام الخطير لا يمكن تجاهله، أو الاكتفاء في الرد عليه بالتشكيك في مصادره، رغم تواتر المعلومات الواردة فيه. لكن التصرف الطبيعي والمسؤول يقتضي التحقيق في وقائعه بما يقضي إما إلى تبرئة قيادات السلطة أو محاسبتها وتحميلها المسؤولية عما جرى.