عندما يكون طفلك فاقداً للشهية!
يعتبر تناول الطعام بشهية ولذة من الدلائل التي تؤكد على صحة الطفل الجسمية والنفسية. في حين أن أي اضطرابات في هذا المجال تتسم بتغيرات نفسية وسلوكية تجاه الطعام. وعادات الأكل كغيرها من العادات تحتاج إلى تدريب الطفل عليها وذلك عبر مراعاة الوقت المناسب والرعاية المناسبة، أثناء الوجبات، حتى تضمن للطفل نمواً صحياً ونفسياً متوازناً.
ولعل أكثر ما يقلق بال الأم ويجعلها عرضة للتوتر والغضب مسألة فقدان طفلها لشهيته ورفضه لتناول طعامه مع كونها هيأت له كل ما يريد ويحب من ألعاب وقصص كي تجعله يتقبل وجبته ولكن دون جدوى.
وعند ذلك تبدأ تلك الردود الانفعالية سواءً بالكلام أو بالفعل، أو بالاسراف في رعاية الطفل وتدليله لتفادي المشكلة. وهنا تكمن الخطورة فالوسائل التي قد نستعملها لترغيب الطفل بالطعام هي نفسها التي
تجعله يرفضه بقوةٍ واصرار. ويظهر ضعف الشهية للطعام على شكل تأفف منه، أو البطء في تناوله، أو العزوف عن أغلب الأصناف.
أسباب فقدان الشهية:
إن السبب بوجه عام هو اندفاع الأمهات إلى تغذية الأطفال على أفضل وجه، دون مراعاة عدة عوامل قد تكمن وراء ذلك منها:
أ عوامل عضوية: إن إصابة الطفل بأمراض الفم والأسنان والتهابات اللوزتين، أو الإمساك وسوء الهضم يمكن أن تسبب نفور الطفل من الطعام. وهناك بعض الخصائص الجسمية العامة التي تصاحب عادة فقدان الشهية للطعام، فصاحب الجسم الطويل الرفيع يكون أقل شهية للطعام من صاحب الجسم الواسع السمين(1).
ب عوامل نفسية: قد يفقد الطفل شهيته للطعام نتيجة الخوف والقلق والغضب والحزن، أو نتيجة فقدان الشعور بالأمن لدى انفصال الوالدين أو فقدان أحدهما.
كذلك قد يكون فقدان الشهية للطعام أو ضعفها عند الطفل أحياناً حيلة شعورية أو لاشعورية لعقاب الوالدين، أو وسيلة لجذب انتباه الآخرين له، فهذا الضعف للشهية يثير حوله اهتماماً خاصاً من والديه لا يحصل عليه عادة دون هذا الاجراء كما أنه وسيلة للسيطرة عليهما.
ج عوامل اجتماعية: تأخذ عملية اطعام الطفل طابعاً مقدساً عند الأسرة حيث يرافقها أحياناً التصفيق والتهليل وسرد القصص المختلفة ورشوة الطفل باللعب ومنحه بعض الجوائز لإغرائه على الأكل. مما يؤدي إلى إعراض الطفل عن الطعام ونفوره منه. ونتيجة اهتمام الأسرة المبالغ فيه في اطعامه تزداد المشكلة تعقيداً خاصة عندما تصبح مزمنة وأكثر حدة بسبب الصراع والتوتر الناجمين عن ذلك(2).
وأكثر ما يجب الانتباه إليه وملاحظته هو ما إذا كان ضعف الشهية دائماً أو مؤقتاً، فجائياً أو تدريجياً. كما يجب معرفة فيما إذا كان عاماً يتناول جميع المأكولات، أم خاصاً يتناول بعض الأصناف دون بعضها الآخر.
آثار فقدان الشهية:
تتأزم مشاعر الأم وعواطفها خوفاً من ضعف شهية طفلها، من أن يصاب بنقص غذائي يفقده القدرة على مقاومة الأمراض، ومهما حاول الطبيب أن يُطمئنها بعدم حدوث ذلك فهي لن تقتنع بذلك وستبقى أسيرة القلق وأسيرة الشعور بالذنب إذ يخيل لها بأن بعض الأقارب سيعتبرونها أماً مهملة، يضاف إلى ذلك نشوء الشعور بخيبة الأمل حيث ترى جميع جهودها في تحضيرها للطعام قد ذهبت سدىً. لذا من المهم أن تعرف الأم بأن الآخرين سيقدرون موقفها، إذ أنهم قد واجهوا، ربما، المشكلة ذاتها. وفضلاً عن ذلك على الأم أن تقتنع بأن اطعام الطفل رغماً عنه وقلقها البارز أمامه باستمرار هما السببان الرئيسيان في انخفاض شهيته وأن علاج الأمر سيتطلب وقتاً طويلاً. لذا عليها أن تبذل صبراً وجهداً لكي يستعيد طفلها شهيته.
كيفية العلاج:
1 لا تلجأي إلى الرشوة: قد ينفع هذا الأسلوب في الوقت الراهن إلا أن ولدك سيطلب حتماً المزيد من الرشوة مرة بعد مرة وسينتهي بك الأمر إلى قضاء ساعة أو أكثر من التهريج مقابل بضع ملاعق من الطعام يتناولها من دون شهية.
2 حمل الولد على اطعام نفسه بنفسه: بداية قدمي له طعامه المفضل في جميع وجباته اليومية وانسحبي إلى غرفة مجاورة أو إلى المطبخ بعد أن تتظاهري أمامه بأنك نسيت شيئاً ما. أطيلي فترة غيابك يوماً بعد يوم. الأرجح أن تقدمه سيكون بطيئاً وغير منتظم. وبعد أسبوع أو أسبوعين قد يتوصل إلى تناول وجبة كاملة بنفسه.
3 قدمي له أقل ما يمكن له أن يأكله لا أكثر، وبعد أن ينتهي من تناول ما قدمت إليه، لا تسأليه إذا كان يرغب في المزيد بل دعيه يطلب المزيد بنفسه(3).
4 تجنبي الصراعات والمجادلات أثناء وجبات الطعام بل ينبغي توفير بيئة نفسية هادئة.
5 للأناقة في تقديم الطعام فضل كبير في فتح شهية الطفل فقد يجذب انتباه الطفل أن تكون له مائدة صغيرة وأطباق خاصة ملونة.
6 نوّعي الطعام واعرضيه على الطفل قبل موعده بدقائق واشركيه في انتقائه واعداده في سن مبكرة(4).
7 حاولي أن توفري في طعام طفلك نوعية جيدة وليس كمية كبيرة. وهنا ينصح بالتركيز على الفاكهة والخضار، والعسل الذي يُعد من الأطعمة اللذيذة والغنية بالفيتامينات »فيه شفاء للناس« )النحل: 69).
8 تجنبي تناول الطفل مأكولات خفيفة بين الوجبات لأنها تقلل الشعور بالشهية.
9 قدمي له الطعام في أوقات جذابة وسارة، فحبذا لو يكون الأكل متعة وليس معركة. وهل أنسب من وقت اجتماع الأسرة على مائدة واحدة لتقديم الطعام للطفل؟
10 أخيراً نود التأكيد بأنه من الصعب أن نضع معايير دقيقة لغذاء الطفل، وما يحتاجه طفل قد لا يحتاجه آخر، فلا تحاولي أن تقارني بين ما يأكله طفلك وما يأكله غيره لأن ذلك سيخلق لديك شعوراً بأن غذاء طفلك قليل جداً وغير كافٍ لصحته وسلامته، والواقع مغاير لذلك تماماً، فتختلقين بذلك مشكلة لك ولطفلك أنت بغنى عنها.
(1) و(2) سيكولوجيا الأطفال، د. رأفت محمد بشناق، دار النفائس، بيروت.
(3) موسوعة العناية بالطفل، د. بسيوك، ترجمة عدنان كيالي، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، سوريا.
(4) مشكلات الأطفال الخاصة بالتغذية وطرق علاجها.